'Jin Jiyan Azadî انتفاضة تعيد تشكيل الوعي وصوت الأقليات إلى الساحة'

أكدت الناشطة السياسية مهرآفاق مقيمي أن انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" أسهمت في صياغة خطاب عالمي مناهض للقمع والتمييز، مشددةً على أهمية مشاركة النساء والشباب في رسم ملامح مستقبل حر وعادل لإيران.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ على مدار السنوات الثلاث الماضية، شهدنا تحولات وميولاً سياسية واجتماعية واسعة في إيران وخارجها، لذلك كان لابد من مناقشة ما حققته انتفاضة  "Jin Jiyan Azadî"من إنجازات وتحديات خلال هذه الفترة، وما نالته من جهود وشعبية.

في حوار يتناول واحدة من أبرز الحركات الشعبية في السنوات الأخيرة، انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" التي تجاوزت الحدود الجغرافية والقيود الاجتماعية، وخلقت خطاباً جديداً حول الحرية والعدالة الجندرية، تحدثت الناشطة السياسية مهرآفاق مقيمي، حول رؤيتها لهذه الانتفاضة، وما الذي يجعلها لحظة فارقة في تاريخ النضال الشعبي في إيران والمنطقة.

 

ما رأيك بانتفاضة "Jin Jiyan Azadî" والإنجازات والتحديات التي واجهتها خلال السنوات الثلاث الماضية؟

هذا السؤال يحمل أهمية كبيرة، لأنه يتناول قضية النساء وحرياتهن، وقد تشكلت حوله وجهات نظر متعددة، قضية المرأة لا تقتصر على كونها حديثة أو تقليدية، بل تتجلى في أبعاد سياسية واجتماعية، وفي علاقتها بجسدها وحقوقها، وتُعبّر عن المطالب الحقيقية للنساء من خلال رؤية ثورية.

شعار "Jin Jiyan Azadî" انطلق من ظروف صعبة، ويحمل طاقة ثورية هائلة، النساء اللواتي نشطن حتى في مناطق خاضعة لسيطرة داعش، استطعن من خلال التنظيم المجتمعي والعمل الجماعي إحداث تغييرات ملموسة، هذا الشعار شمل أكثر من 150 مدينة ومنطقة، وبرز على المستوى العالمي، وكانت رسالته الأهم هي مواجهة القمع والسيطرة على جسد المرأة.

تُظهر تجربة تاريخ إيران أن الأنظمة الاستبدادية المتحالفة مع الرأسماليين لطالما قيدت الحريات، وشعارها يقف في مواجهة الأيديولوجيا الذكورية القمعية، ويسعى لتحرير الحياة من الهيمنة والأحكام الضيقة، ومشاركة النساء في الساحة العامة أظهرت دورهن إلى جانب الشعب، وسلطت الضوء على مطالبهن السياسية والاجتماعية.

هذه الانتفاضة تحمل أيضاً بُعداً اجتماعياً، وتسعى إلى إزالة التمييز الجنسي والعرقي والمدني، وكسر الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، صداها يتجاوز القيود التقليدية والتجريدية، وقد انتشر في جميع أنحاء إيران والعالم.

بعد هذه الانتفاضة، استطاعت نساء إيران من خلال نضالهن وصمودهن أن يحققن مرحلة مهمة، شكّلن جبهة موحدة، وأثبتن حضوراً فعالاً ومؤثراً، خاصة بين الفتيات والشباب، وتمكن من لعب دور قيادي لأول مرة، مما يُعد تحولاً تاريخياً في حركة النساء في إيران.

وأتاحت هذه الانتفاضة الفرصة للقوى المُهمّشة والأقليات، للمشاركة ورفع صوتها، وقد برز دور شعوب شرق كردستان والبلوش والمجموعات الاجتماعية الأخرى بوضوح، وحتى الطبقات الوسطى كان لها نصيب فيها، ولم يكن شعارها محصوراً بقومية أو منطقة معينة، بل أصبح مصدر إلهام على المستوى الوطني والعالمي.

وقد دخل الجيل الشاب الساحة بشجاعة، متجاوزاً الخوف، وجعل من المقاومة جزءاً من الذاكرة الجماعية، حيث خلقت هذه الانتفاضة خطاباً جديداً، ووضعت قضية السيطرة على جسد المرأة في صلب الاهتمام. ورغم القمع الشديد والعنف المنهجي والاعتقالات، استمرت الانتفاضة بفضل تنظيمها الشبكي واللامركزي.

إلا أن غياب التنظيمات المستقلة والقيادة الجماعية أدى إلى تشتتها، ومنعها من الارتباط بالتغييرات البنيوية والاقتصادية. ورغم أن شعار "الموت للديكتاتور" كان قوياً، لكنه لم يقدم رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية. وفي الشتات، دعمت القوى المعارضة التقدمية الحركة، بينما حاولت القوى اليمينية تقليصها إلى إطار سياسي ضيق، دون الالتفات إلى المطالب الشعبية.

لكن الوعي العالي لدى الجماهير أفشل تلك المحاولات، وأثبت أن انتفاضة فكرية ونظرية قد حدثت في المجتمع؛ وتحدّت النظام الأبوي والاستبداد الذكوري، ومنعت إلى حد كبير إعادة إنتاجه من جديد.

 

كيف يمكن للحركات الشعبية، خاصة انتفاضة "Jin Jiyan Azadî"، أن تحافظ على هويتها وقوتها، وفي الوقت نفسه تتناغم مع التحولات السياسية والأحداث الإقليمية؟

ذلك يُبرز دور الشعوب والحركات الشعبية في الحروب والأزمات الإقليمية، وانتفاضة "Jin Jiyan Azadî" وعلى خلاف التيارات القائمة على القومية أو الدين أو النزعة الوطنية، تستند إلى ثلاثة عناصر أساسية المرأة، الحياة، والحرية، وقد خلقت خطاباً اجتماعياً وثقافياً ذا تأثير عالمي.

في ظل الحروب والتنافسات الإقليمية، استطاعت أن تحافظ على مسارها المستقل، وأن توسّع شبكاتها التنظيمية والبنّاءة، وشعارها يحمل طاقة ثورية قوية، وقد رسم حدوداً واضحة مع الأنظمة التابعة للقوى الإمبريالية والإقليمية، متّبعاً طريق الاستقلال والإرادة الشعبية.

لم تقتصر هذه الانتفاضة على إيران فقط، بل امتد تأثيرها إلى المنطقة والعالم، حيث أنشأت شبكات عابرة للحدود. وقد أقامت الناشطات الإيرانيات روابط مع نساء في كردستان، أفغانستان، العراق ولبنان، وأعادوا إنتاج شعارهن في الفعاليات الدولية ومنصات التواصل.

الهدف الأساسي لها هو خلق لغة مشتركة عابرة للمنطقة، تقوم على الحرية، العدالة الاجتماعية، والعدالة الجندرية، وتجمع بين قوى وتجارب متنوعة في إطار موحد.

 

ما التجارب المهمة من الانتفاضات السابقة التي يمكن أن تلهم استمرار مسار انتفاضة"Jin Jiyan Azadî"؟

إن هذه الانتفاضة شعبية بحق، وليست مشروعاً مفروضاً من الداخل أو الخارج. يتعلم الناس في ساحة النضال الاجتماعي والفكري كيف يواجهون التيارات اليمينية المتطرفة، تلعب العائلات دوراً مهماً في الحفاظ على الذاكرة الجماعية والرموز الثقافية؛ فكل أم فقدت ابنها أصبحت بحد ذاتها رمزاً للنضال.

على المستوى المحلي، تُسهم مراسم الذكرى والسنويات، ومشاركة النساء، وتشكيل المؤسسات والشبكات المحلية في إحياء الذاكرة الجماعية والمقاومة، وتُعزز الأنشطة المتنوعة، من المتقاعدين والطلاب إلى الإضرابات العمالية، الربط بين قضايا الناس اليومية والنضال من أجل بنى عادلة.

تلعب الكتابات الشعاراتية والرموز المحلية دوراً مهماً في توحيد العائلات والحركات المختلفة، وتُتيح بناء شبكات إقليمية وعابرة للحدود، وإن توسيع هذه الشبكات، والمشاركة الشعبية، والسعي إلى تدويل شعار "الحياة والحرية"، يُعزز صوت الشعب الإيراني على المستوى الدولي، ويحول دون اختراق التيارات اليمينية والقوى العالمية.

إنها مسؤوليتنا، من خلال التضامن ومشاركة الجيل الشاب، أن نعزز هذه التيارات ونبني مستقبلاً حراً ومتساوياً للمجتمع الإيراني.